المجد التليد شاعر يتحدث عن أخباره

                    المجد التليد شاعر يتحدث عن أخباره

قال الشاعر الخالد نافع الخفاجي المتوفى عام 1940 هذه القصيدة التي نظمها عام 1934 والتي صور فيها جوانب من مجد قومه وحسبهم وتحدث عن شاعريته ونهجة في الحياة , وهي :

ذهبت وبي المجد شوق اغاليه     وأبت وفي فعلي ذراه وغاربه

ولست اريد المجد مجدا مؤثلا     ومالي بالمجد الذي مات صاحبه

وان كان مجد السالفين يقوم بي      ويهدي سبيلي ان ظللت كواكبه

ويرفع شأني ذكر قومي ((خفاجة))   وكم ذي خمول نبهته مناسبه

فما أنا وان يرتضي العجز ساجدا       اذا هاج من بحر الحياة صواخبه

ومالي تكلان على من يعولني          ولا بي غرور تستلان عقاربه

ولي نفس حر لاترى الذل مشربا      وان مت ظمأنا فما انا شاربه

ولو قيل ان العز في ناب حية          لقبلته رشفا وطابت مشاربه

ولي همة لامستحيل بدينها            ولولا معناها الدهر كانت تغلبه

أراني خفاجيا فأبني كما بنوا         وما فضل خاف أظهرته اقاربه

وأني لطماح لكل عظيمة            أرى كل شيء دون ما انا طالبه

أؤمل امالا الى غير غاية            وما هو الا سلم ومراتبه

جعلت لنفسي منزلا فوق ما ارى    فعن خيال الوهم ليست تقاربه

يسابقني غيري وليس بلاحقي     وقد رجمته غباري حواصبه

وأني لكف الوهم امساك خاطر     وهل يدرك الريح الجواد وراكبه؟

ينافسني دهري وماهو نافسي     يواثبني حينا وحينا اوثبه

رمى بمريشات الصروف نجائبي   فطاشت مرلعيه وطارت نوائبه

وشبت الى ان صرت شيخا محنكا    وتسع وعشرون امترتها تجاربه

فان كان راسي اسودا من شبابه    فقلبي من خبر قد ابيض جانبه

واني لبدر لا تغيم سماؤه           اذا كان ليلا لاتجلى غياهبه

واني لترياق يلذ مذاقه             اذا كان سما مطعم الصاب شائبه

فمهما يكن دهري فلست اخافه    ولست ابالي كيف كانت معاطبه

مخالبه لم تعد جسمي وانه       لفان وان لم تخترمه مخالبه

وقلبي جريء لايراع لحادث     وان ارهضت خرصانه وقواضبه

يلين اذا ما استوجب المجد رحمة    ويصلب لو ان الصلابة واجبة

ويصفو اذا ما كان في الصفو عزة   ويكدر احيانا وتطفو رواسبه

ويعرى اذا كان الرياء كساءه      فلا خير في بيت تعار جوانبه

ويصدق لو ان الجميع خصومه   ولا خير في ملك يتوج كاذبه

ورأيي جواد والحقيقة شأوه      وعقلي بالليل البحث كالنجم ثاقبه

اذا كان عقلي راضيا نضريتي    جهرت بها والعقل ريان حالبه

وما أنا عما محص العقل ناكلا   وان عابني خصمي وماجت مواكبه

وان انا لم أعمل على نصر فكرتي   ففارقني عقلي وماتت مواهبه

هو الرأي واستقلاله بعض حقه     وما الظلم الا ان يهدد راغبه

أزين بنات الفكر ارجوا زواجها    أفيه اعتداء ان يرغب خاطبه؟

واني لنظام لكل قلادة             وما الدر الا دون ما انا ثاقبه

وليس القوافي غير طوع ارادتي   كأني شأو والقوافي طوالبه

اذا امسكت كفي يراعي تسابقت   على سنه على تتم مأربه

فأختار منها ما يكون موائما      لطبعي وأقصى عنه مالا يناسبه

وابرزها للناس غيداء يجتلي    محاسنها سمع وقلب مجابه

وما غار انسان على بنته كما    يغار على بيت من الشعر صاحبه

وما الشعر الا ما الشعور امده     وما كان شعرا ما التكلف كاسبه

ونست ارى التنقيح الا تكلفا      ولاخير في غيث تضيق سحائبه

ولست احب الشعر الا عواطفا    وان غاب وجداني فاني مجانبه

ومن قاله طبعا فمالك أمره       ومن قاله صنعا فذلك غاصبه

فعاطفتي قولي لاشبع تهمها     وان يممت غيري فما انا احاسبه

اقلده درا لتاج مأ ثري          اذا لبست در البحور ترائبه

فطورا على القرطاس در مدامع   تشاركه من سامعيه ضرائبه

وطورا على القرطاس در مباسم   يهش اليه عابس الوجه شاحبه

وطورا على القرطاس جد وحكمة

اذا قاربت غرا فحذق يقاربه

وطورا مجون يترك الهم شاردا   وينسى به ليل السري وركائبه

كأن قلوب الناس في سن ريشتي   مداد كما سارت تسير سواكبه

احرك اوتار القلوب بمقولي       كما حركت ريشا رياح تجاذبه

وما الشعر الا ان تهز مشاعرا    فتسحرها رهباته وكواعبه

وشعري من قلبي دم وخفوقه     ولكنه في الراس مخ وذائبه

يجوس خلال الامر يكشف سره   ويستطبن الاخفى فيحضر غائبه

قريض له ابليس يسجد مرغما   وشعيته في الكبرياء تغالبه

قريض له الارواح معنى وجسمه   حروف ولكن النظام قوالبه

فأدم قحطان ونوح خليله          ونحن بنو سام وفينا مناصبه

وما انا في الاشعار الا محمد     ولي في القوافي فتحه

قريضي ميراثي عن الجد نافع    وما انا الا مقتضيه ونائبه

له بذره والزهر لي فلى الجنا     له راسه والراس لي وذوائبه

له السبق لو أنكرته لجرى دمي    يفر به والفضل يتلوه راجبه

ومجدي اثبل من طريف لتالد      ومستقبلي سطر وماضي كاتبه

وبيتي طويل فالكواكب عينه      ولولا اعتفادي قلت والعرش صاحبه

وصدري رحب لايضيق بضيق     ولو اثقلتني روحه وحقابه

لصحبي ايناسي وبشرى وراحتي   ولي ما بنفسي لا عليهم عوافبه

جليسي موفور الكرامة ان يسل       يجب ولكل رايه ومذهبه

صدقي ان يحسن يحمد وان يسيء   يسامح وان يصرر فأني معاتبه

واخلص للاخوان لست اخونهم        وما ظبي جاري لي بظبي الاعبه

عرفت لنفسي حقها فرفعتها       عن النقص حتى لايصادف عائبه

وان ابصرت عيني مثالب صاحبي   فبي بكم عن ان تذاع مثالبه

وانشر طوى الفضائل جاهدا         وان كان من خصمي فأني لناسبه

والفضل بيت كالرواسي مشيد      يطالعه نور الضحى وهو عائبه

وأعظم بيت ما الفضيلة اسه       وأوهن بيت ما بنته عناكبه

ولو جعل الشعب الفضيلة مبدا    لآخصب ركناه وطالت مناكبه

وللؤم في ذكر الرذيلة نشوة      ولا حر الا والفضيلة كاعبه

ولا خصم لي الا لئيم مفوه        تفاخر اخلاق الكرام معاتبه

فماهو لي سلم اذا شاء هدنة     وان خاف من حربي فلست احاربه

ولي قلم لا درع تمنع سنه             وجيش لساني لا تولي كائبه

وان سكن الليث العرين فغابه          صنع تحامى ما حماه ثعالبه

وان لم يسر ذكرى فأن الاثير ما         تكتم الا ليشرق غاربه

وسيان طال الليل أم هو لم يطل       فلابد من صبح لمن هو راقبه

وان يفتقر جسمي فنفسي لها الغنى    تكلفه ما كاف الغصن حاصيه

ينوه بأعباء المكارم والعلا           وتنقله ارباحه ومكاسبه

عليه تكاليف لمعالي شديدة          ومن يطلب العلياء تكثر معاطبه

ومن بيل احوال الزمان يرى الهوى    الاها وما الالباب الا هيادبه

أعاجيب لم تستثن للحق موضعا      وما الوهم والاوهام الا عجائبه

وما كان حقا قد ينكر باطلا           ومن يسترب فالعلم بالظن ساحبه

وحسبي ضميري انه لي حاكم        وكل كريم فالضمير محاسبه

كفاني ضميري واعتدائي بهديه      فما انا الا عبده لا اغاضبه

ومن كان مهديا بهدي ضميره        ففي صدره جبريل والرشد صاحبه

ولعمري ان هذه القصيدة الرائعة ليس لها نظير في الادب العربي ولقد فقدتها منذ  اكثر من عشر سنين , ثم وجدتها , وهي جديرة بأن تكون أنشودة كل خفاجي في العصر الحديث كما هي بحق من اروع قصائد الادب العربي بلاغة وقوة وطبعا وسحر اسلوب , وهي فوق ذلك شاهد واضح على مجد الاسرة التليد وحسبها العريق ومكانتها الممتازة .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر | د. محمد عبد المنعم خفاجي , كتاب الخفاجيون في التاريخ .

نشر اخبار قبيلة خفاجة وتاريخها